2008/08/30

مسلسل "نور" وحراس الفضيلة…!!!

مسلسل "نور"... وحراس الفضيلة…!!!لقتْ المسلسلات التركية نجاحاً منقطع النظير في نسبة المشاهدين في العالم العربي... وهي تدرج من مسلسلات "الصوب" (Soap)، وهي من المسلسلات الهابطة التي تستهدف في الغرب (مصدر نشوئها) العجائز وربات المنازل من قليلي التعليم... لذا تتسم هذه المسلسلات بالطول والحوادث المتتالية التي لا ترمي إلى هدف أو غاية جمالية، بله الإثارة والتشويق!!!ويا للعجب حيث لا عجب، لقد انتشرت هذه المسلسلات مثل النار في الهشيم في المجتمعات العربية، حتى أوسع من انتشارها في تركيا ذاتها... ويزايد جمهورها يوماً بعد يوم في المجتمعات العربية، لا سيما في الخليج والسعودية بالذات... يشاهدها كافة الشرائح، حتى أن شعبيتها فاقتْ توقعات القائمين على قناة "أم بي سي"... ولقد أصبح أبطالها نجوماً يهفو لهم الملايين من الشعب العربي، وهذا ما ثبت في زيارة أبطال مسلسل "نور" لمدينة "دبي"...!قرأتُ مقالات كثيرة من كتّاب صحفيين، حاولوا أن يفسروا هذا الهوس الشعبي بـهذه المسلسلات التركية... مرة أرجعته إلى افتقار المجتمعات العربية إلى العاطفة الرومانسية، وتارة أرجعته إلى فضولها في معرفة ثقافة غابتْ عنها منذ زمن (هي الثقافة التركية)، لأنها كانت جزءاً لا يتجزأ من الثقافة العربية في عصر الإمبراطورية العثمانية... !وهي تفاسير ضعيفة حقيقةً في رأيي... فالمسلسلات العربية لم تخلُ قط من عاطفة رومانسية، بل أزعم، عكس من ذلك، فهي تعاني من تضخم في هذا الجانب العاطفي على حساب قيمتها الفنية، والمجتمعات العربية لم يعرف لها فضول في معرفة الثقافات الأخرى، ولا سيما التركية التي شُوهتْ في العقل العربي، لأسباب أدلوجيّة محضّة، تأتتْ من وهج القومويّة التي عصفتْ بالعالم العربي، منذ الحرب العالمية الأولى، وفشل ثورة الشريف في إقامة إمبراطورية عربية مستقلة، وأشتد أوارها في والخمسينات والستينات في ابان الوهجّ الناصري القوموي العربي، وقبل ذلك، وهج الأدلوجة الإسلامية التي صورت تركيا على أنها دولة الزنادقة، لأنها أسقطت الخلافة، واختارت أن تلتحق بركب أوربا، وتتملّص من جذورها الإسلامية!إذن الأمر يتجاوز هذه التفاسير في ظني!!!لا أزال أذكر كيف أن أعضاء البرلمان البحريني من "الإسلاميين" احتجوا على عرضٍ قُدم من إخراج الموسيقار "مارسيل خليفة"، وبشعر "قاسم حداد" في البحرين، لأن بعض المشاهد - في نظرهم - تحتوي على مشاهد تخلُ بالآداب العامة، وقد فعلوا ما في وسعهم لكي يمنعوا هذا العرض!!!ولا شك بأن مارسيل خليفة وقاسم حداد من كبار الفنانين، الأول في الموسيقى والغناء، والثاني في الشعر والأدب... وهما من أعلام الفن الراقي، فليسا هما من يروم إرضاء السوقة والعامة بمناظر شهوانية... رغم ذلك، لم يسلما من قدح هؤلاء، ومن شجبهم، ووصايتهم، واستبدادهم، بحجة أنهم حراس الفضيلة وأوصياء المجتمع!وهذه ليست حادثة فريدة من نوعها، فقد ظلت القوى المحافظة، وعلى رأسها القوى الدينية المتطرفة، تحارب الفن الراقي بحجة الوصاية... وتساهم في تحجيم هذا الفن، الأمر الذي أتاح مجالاً للفن العفن الذي لم يكن يكترث بهذه القوى الدينيّة، وظل قادراً على تخطيها، لأنه يستمد قواه من غرائز السوقة والعامة، وله من يمده بالقوة والجاه – أقصد المال الذي يجنيه من هذا الفن!!القوى الدينية وتياراتها تفتخر من وقت وآخر بانتصارها في كسب فؤاد الشعوب العربية، وهزيمتها للفن (كذلك الفكر) الذي لا يخضع لأدلوجتها، وتتبجح بأنها استطاعت أن تهيمن على العقل الشعبي... وصعود التيارات الإسلامية بعد سقوط التيارات العروبية التقدمية في السبعينات كان مصدر فرحاً لها...!شُوهتْ هذه التيارات كل رموز التقدم وأفكاره، وتركيا الأتاتوركيّـة كانت في أعلى قائمتها، صوبت لها نبالها، حتى ظنت بأنها أردتها قتيلاً... فتوهمت بأن تركيا أضحت في المخيال العربي الإسلامي دولة علمانية كافرة، تنصلت عن هويتها وأصالتها ودينها...!حولت تركيا والمجتمع التركي - بالتالي - إلى عالم غرائبي محرم الدخول فيه - فاكهة محرم أُكلها، وها هو المجتمع العربي يجد نفسه وجهاً لوجه أمام هذه الفاكهة المحرمة، فيأكلها بكل شغف من دون أن يلتفت إلى صراخ الوعاظ!!!إن إقبال الشعوب العربية على هذه المسلسلات كانت صفعة لهذه التيارات الإسلامية، فلا تزال المجتمعات العربية تتطلع إلى "التحرر"، حتى لو كان هذا مكبوتاً في عقلها الباطني، لأنها تجد صعوبة بالغة في التعبير عنه، هي مقيدة بالمحرم من كل صوب وجهة... المحرم الذي وعدت بأن التقيد بالشريعة كفيل بأن يلحقها بالأمم الغالبة القوية، والأهم يدخلها جنات عدن ويضمن لها حور عين، وجنة خالدة يسقون فيها بخمره تسكبها غلمان مخلدون...!انهمار المجتمعات العربية هي علامة على فشل الخطاب الوعظي الذي ظل يهدر ويزمجر بالويل والثبور لكل من يخالف مبادئه ويخرج عن صراطه المستقيم...!فها هي المجتمعات العربية تهفو إلى صورة مخالفة لها … وتَرِدُ من مجتمع تركي علماني تقدمي، يقدم لنا صورة حداثية للعلاقة العاطفية ما بين الرجل والمرأة من دون هذه الحواجز تفصل الجنسين …!!!ورغم كل هذا "الصراخ الوعظي" الذي هتفتْ به حتى أعلى سلطة دينية – أقصد "دار الإفتاء"، إلا أنه لم يحرك حقاً مخبوء المجتمعات العربية حتى تلك المجتمعات التي تزعم بأنها تتبع التقاليد الدينية مثل المجتمع السعودي …!فهذه الصورة "المخالفة" هذا المرة لم تأت من الغرب، بل جاءت من القريب البعيد (أو البعيد القريب) - أقصد من تركيا في ظل حكم الحزب الإسلامي، وهكذا انفجر لغماً (أو ألغاماً) كان مدفوناً في الأرض العربية، رقص على دويه الشعوب العربية، وأصابت شظاياه تيارات حراس الفضيلة من الدوغمائيين والمؤدلجيين الذين ظلوا ينكرون الواقع حتى أصابهم مقتلاً…!
تحياتي،
الكيان الحر
-----------

ليست هناك تعليقات: