2009/09/29

باب الحارة ظاهرة تطرح ألف سؤال

باب الحارة ظاهرة تطرح ألف سؤال
كتبه: محمد نمر المدني
باب الحارة ظاهرة عربية لابد من مناقشتها وطرح الكثير من الأسئلة حولها:1. فهل ما شاهدناه على الفضائيات هو مسلسل؟2. وهل هذا العمل يمكن اعتباره سرد لأحداث تاريخية ؟3. وهل يعبّر المسلسل عن الشام ويعطي صورة عن الحياة الشامية والدمشقية؟4. وهل من الصحيح تعزيز ظاهرة العنترية والقبضاياتية؟5. وهل أصبح هذا الشكل الذي يقدمه المسلسل هو الثقافة الصحيحة التي يتوجب علينا أن نعتز بها وننقلها للأجيال الشابة؟. بكلمة واحدة نجيب على كل هذه الأسئلة ونقول ((كلا)). بل ويمكننا اعتبار مسلسل باب الحارة الذي حاز على أكبر نسبة من المشاهدة, أسوأ عمل تلفزيوني عربي لهذا الموسم. ففي أحد أحياء دمشق وبعدما انتهى عرض الحلقة العاشرة خرج المتأثرون به إلى الطرقات يتنادون بألقاب وأسماء وعنتريات مماثلة لما عرضه المسلسل, وتطور الخلاف فخرجت البنادق والمسدسات إلى الشوارع وأطلق الرصاص فأصيب شخصين. أحدهما طفل بريء كان يعبر الطريق نرجو له الشفاء.بل إن كل شوارع دمشق التي أعرفها كانت تفرغ من الناس, وتتوقف المحال التجارية ويقل عدد السيارات والحافلات أثناء عرض ما يسميه الناس بالـ (المسلسل).نحن الكتّاب قبل أن نكتب سطراً واحداً نسأل أنفسنا عن الهدف من الكلمة والعبارة والمقولة والمقال والقصة. فماذا يمكن أن يقال عن كتابة ألفي صفحة (تشكل نص المسلسل) غير محددة الأهداف؟. هل يعجز الكتّاب عن خلق نص عظيم ذو أهداف ثقافية وتاريخية وتربوية رفيعة؟. بالطبع لا. فالكتاب سوريون وعرب قادرون على إدهاش المشاهد ورفعه إلى قمة القمم. فهل يتعذّر على شركات الإنتاج الالتقاء بكتّاب حقيقيون وبنصوص رفيعة المستوى.؟.بالطبع لا.لكن الشركات تضطر للجوء إلى نصوص روايات سورية قديمة وروايات أخرى قديمة ومترجمة عن التركية.!. ونصوص أخرى قليلة الأهمية, فتجعل منها مسلسلات طويلة ويقول المشتغلون هناك بأنهم يفتقرون للنصوص.فقد حدث معي شخصياً, وأن عرضت نص مسلسل كامل على إحدى شركات الإنتاج , فماذا كانت النتيجة؟1. على الهاتف أخبرتني السيدة أو الآنسة, بأنهم ليسوا بحاجة لأي نصّ على الإطلاق. 2. وعلى الهاتف أخبرتني أيضاً بأن لا ضرورة أبداً لعرض المسلسل على الشركة لأن أحداً لن يقرأه.3. وعلى الهاتف أخبرتني أيضاً, بأنني إذا ألححت على وضع النص لديهم, فسوف يلقى في الخزانة دون أن يطلع عليه أحد, وقد يعاد إليّ بالتأكيد مع عدم الموافقة.كان لا بد لي من الذهاب إلى مكتب الشركة وأن أقوم بالتعريف على نفسي, وبتعرفهم على ميزات النص الذي أعرضه عليهم. ورغم ذلك فقد قدمت السيدة (الجميلة) نفسها الاعتذار الشديد. وأكدت بأنهم لن يقرؤوا النص ولا حاجة لهم بأي كاتب ولا بأي نص. وبالطبع فهي لم تكن تعير كلامي أية أهمية لأنها لا حاجة لها بسماع أحد من خارج التكوين الذي اعتادت الشركة عليه. واكتفت الآنسة أو السيدة الجميلة بالقول بأن لا أحد من الإداريين يمتلك الوقت للمقابلتك.وأثناء ذلك الحوار غير المفيد وغير المثمر, الذي لم يطل أكثر من خمس دقائق, عبر مكتب الاستعلامات شخص ما, فالتقى بالممثلة التي لا أعرف اسمها, فسألته: - ألست أنت أبو (....) صاحب مصنع (....) ؟. فأجابها بنعم وبأنه باع المصنع وتفرغ للعمل في الإنتاج التلفزيوني هنا.!. لكن الممثل قال للمثل الآخر باللهجة الشامية: ( نيّموك 11 سنة, وهلق وقت رفعوك على وجه الدنيا وساووك نجم كبير رح تنزع اسمك وتمثل في إعلان تلفزيوني؟.). كان ذلك في حوار بين فنانين شهيرين لكن الكاميرا كانت خفية. وتصور دعابة مسلية للناس الذي يزعمون بأنهم تعبوا من صيام يوم كامل في رمضان فأرادوا أن يضحكوا بعدما استيقظوا وفطروا وآلمتهم بطونهم. ورغم أن هدف الكاميرا كان إضحاك المشاهد, لكن الفنان الأستاذ قال تلك العبارة بحق وهو لم يكن يعلم بوجود الكاميرا تسجل صوته في ذلك المطعم. فما هي قصة تلك الشركات التي تقدر على تنويم وإنهاض أي ممثل؟. ثم أليست تلك المقدرة والقوة (المالية ) التي تملكها تستطيع أن تتحكم أيضاً بنوع النص وبثقافة المشاهد. ثم والجريمة الأكبر تكمن في نوع الثقافة العامة التي سينشرها التلفزيون العربي.وفي برنامج (تنفيعي وإعلاني) لا أعرف اسمه, كانت المذيعة التي لا أعرف اسمها أيضاً تجول بين الناس, فسألت خمسة شبان عن اسم الشخص الذي ألّف كتاب (العبرات). بالطبع لم يستطع أحد أن يجيبها. فأعطتهم ثلاث احتمالات ورغم ذلك لم يجبها أحد. وبالطبع فقد توقع أحدهم أنه نزار قباني.!. وفي نفس البرنامج كانت أسئلة أخرى عن اسم الممثل الذي قام بدور فلان. فكان الشباب يجيبون بشكل صحيح بالطبع.وفي لقاء عبر فضائية لا أعرف اسمها, مع ممثلة شابة لا أعرف اسمها, دار الحديث والحوار (القيّم بالنسبة لهم) حول زواج سابق للمثلة وطلاقها ثم تزوجها مرة أخرى من الفنان الذي لم أحفظ اسمه. أهذه هي الثقافة الجديدة التي يجب ترويجها للجيل الجديد.؟. أهذه هي علوم العصر؟.أثناء عملي في التدريس ورغم مشاغبة طلاب الصف العاشر في واحدة من أهم مدارس سورية. كنت أعلمهم الفعل الفرنسي الذي اشتقت منه الصفة (...) فسألني الطالب الذي لم أتعرف على اسمه. وقال: كيف تكون صيغة السؤال في الإمتحان؟. أجبته بأن هذه الكلمة لن تكون موضوع سؤال امتحان. فقال بأنه لا حاجة لحفظها ولا لكتابتها. فاحتج كثير من الطلاب احتجاج حقيقي وهم يعتقدون بأنهم على حق. وكانت حجتهم أن لا حاجة لأن يعرض المعلّم عليهم معلومة (من خارج المنهاج, ولن تكون موضوع سؤال امتحاني). فهل من الممكن أن يقرأ هؤلاء كتاب فكر أو رواية أو مقال صحفي؟. بالطبع لا. لكنهم بالطبع يستطيعون الإجابة على ألف سؤال من نوع ..( متى تزوجت المغنية ... ولماذا طلقت الأخرى.؟.). هؤلاء الطلاب ومثلهم جيل كبير من الشباب أصبحوا يمتلكون مقياس واحد للقراءة والعلم, وهو مقياس يعني (مقدار ما يعطني كل سطر أقرأه, من المال أو العلامات في الإمتحان). وعلى هذا فلو أننا طلبنا منه قراءة مقال حول العولمة مثلاً, فسوف يتوجب علينا أن نمنحه مقابل قراءته مئة دولار. لأنهم لا يقرؤون إلا بأجر أو بمقابل ملموس يحصلون عليه مباشرة. وعندئذ سيصبح مقالي هذا الذي سأدرجه مجاناً على صفحات الأنترنيت سيصبح عملاً عبثياً بحسب مقياس الجيل الجديد. فأنا لم أقبض أي ثمن مقابل كتابته والتفكير فيه لمدة شهر كامل. لكن هل من الجائز أن يكون هذا الجيل قد اغترب وقلّد الغرب بالبحث عما هو مفيد بشكل سريع وترك ما لا يعنيه.؟. وهل تصبح طريقتهم أكثر حداثة من طريقتنا نحن؟ بالطبع لا.. فمزاعمهم مرفوضة, لأنهم يبحثون عن معارف ويشتغلون بحفظها وهي لاتفيدهم ولن تفيدهم بشيء, فهم يبحثون عن اسم الممثل الذي أحب أو تزوج الفنانة ... ويتناقشون مطولاً في نتائج عمليات تجميل الوجه التي أجرتها الفنانة فلانة...وفي إحدى الساعات قضيت أنتظر في مكتب السيد فلان, فاضطررت لسماع مناقشة الموظفين والموظفات.. فقد احتدم النقاش حول ميزات كثيرة جديدة لتعبئة الوحدات في الخطوط الهاتفية وطريقة تحويلها وتكاليف أخرى وميزات كثيرة.. يمكن جمعها في كتاب تصل صفحاته إلى مئتي صفحة. وكل ذلك يحفظه أولئك المتناقشون وأمثالهم عن ظهر قلب. فمن هو المسئول عن موت الفكر في عقل الجيل العربي الجديد؟.هل هو ذلك الشخص الذي كان يعبر الممر حين سألته الممثلة التي لم أعرف اسمها عن مصنعه؟.بالطبع فهو يحمّل المسئولية لغيره, ويقول بأن الفضائيات العربية التي تشتري العمل هي التي تملي عليه الشروط المتعلقة بمواصفات النص والعمل التلفزيوني بشكل كامل. لكن تلك الفضائيات تتفق كلها على أمر واحد وهو عرض نفس المسلسل الرديء. وتختلف فيما بينها في كل الأمور الأخرى. ثم إن الطلاب الذين طلبوا مني ثمن تعلّمهم كل كلمة أو قاعدة لغوية فرنسية هم أنفسهم لا يطالبون الفضائيات بأي ثمن حين تعلمهم بأن الفكر والثقافة والقيم والمثل والتاريخ والمستقبل كله ينحصر بمشاهد وعبارات من مسلسل شوارعي, أو بسيل من (العلوم) المتعلقة بطلاق تلك وزواج هذه. فلماذا هذا التناقض في عقول طلابنا أو الجيل الجديد كله.؟. ومن المسئول عن صناعة هذا التناقض في عقول الجيل الجديد؟. هل نعتبر نحن المثقفون المسئولون عن كل تلك المشكلات ؟.تلتقي الفضائيات مع فنانين وفنانات في كل ساعة, ويمكنهم التحدث بما يشتهون, وتعليم المشاهد كل ما يريدون. وتلك هي الفضائيات التي تشاهدها الأسر والأفراد عادة أكثر من غيرها. فهي التي ترسل الثقافة الشعبية او العامة. وبنفس الوقت فالثقافة الشعبية تحرم أهل الثقافة أنفسهم من التعبير عن آرائهم أو ترويجها والمدافعة عنها. لكنني أنا كمثقف وكاتب قمت بدوري بالفعل وبقيت سنتين أفكر بجهد وتعب وبمشقة كبيرة وأكتب نص مسلسل يطرح المشكلة ويمنح المشاهد بأسلوب لطيف وممتع أفكار قيّمة. ومثلي آلاف من المثقفين الحقيقيين يجهدون في البحث والتخطيط والسعي لتثقيف الجيل العربي الجديد. فما هي مشكلتهم أو مشكلتنا نحن كمثقفين حريصين على تعليم القيم والفكر والثوابت الصحيحة.؟.مشكلتنا كما أسلفت بأن كتبنا لا تطبع وإذا طبع كتاب منها فلن يقرأه هؤلاء, وإن اقتناه أحدهم فلن يتقيد بفكره. ونصوص المسلسلات التي قد نكتبها لا حاجة لأية شركة إنتاجية بها. فأولئك اكتفوا بأن يصنعوا القصة ربما أثناء التصوير.. بل لا حاجة لهم بالقصة ولا بالفكرة ولا بالهدف ولا بأي شيء على الإطلاق. فمسلسل من ذاك النوع سيباع ويعرض ويشاهد ويحوز على جوائز حتى لو كان ميتاً.لا يمكن أن يتوقف المقال عند هذه النقطة بل يجب التوسع به كثيراً, والبحث ربما عن الشخص الذي قال مرات كثيرة بأنه يحمل مشروع كبير لتغيير الثقافة عند العرب والمسلمين, وذلك الشخص طلب بإنشاء مدارس بديلة عن المدارس الدينية في أفغانستان. وتحدث عن ما أسماه,( ضرورة تحديث التعليم والمناهج) وقام ذلك الشخص أيضاً بانتقاد العديد من المدارس والمؤسسات التعليمية وطالب علناً بتطويرها . فهل يمكننا الربط بين خطط ذلك الرجل القصير القامة, وبين حال الثقافة في مجتمعاتنا؟. سيقول البعض بأننا نهوّل الأمر كثيراً, ونعطه أكثر من حجمه, فتلك شركة إنتاج, وذلك كاتب والآخر ممثل.. فالأمور ليست معقّدة بهذا الشكل. لكن أحد مدراء شركات الإنتاج قال لي بأننا تسلمنا شروطاً جديدة لأي عمل تلفزيوني وهذه هي.. فقد كانت كل الشروط تحمي الرجل الذي أعلن عن الخطط الثقافية الجديدة, وتحافظ على شروط مشروعه. وإن لم نتقيد بها, فلا أحد سيموّل العمل كله, وربما لا أحد سيتبنى عرضه, فالعمل سيخسر. لكن صاحب المصنع الذي تحوّل إلى مهنة الإنتاج التلفزيوني يرغب بالربح لا بأي شيء آخر. فهو يريد أن يقبض أموالاً. وطالب الصف العاشر الذي فتن طلاب الصف كلهم وجعلهم ينتقدون المعلّم هو أيضاً يبحث عن الربح, والممثل الذي نام أثني عشرة سنة هو أيضاً يبحث عن الربح وكسب المال. والشباب الذين جلسوا في المطعم يتلقون أسئلة حزورة رمضان ولم يعرف أحد منهم اسم كاتب (العبرات) حصل على المبلغ دون أن يعرف الجواب. ولأجل ذلك فقد وافق الممثل على عرض مشهد مضحك صورته له كاميرا خفية. فهو يعتبر أن المبلغ الذي حصل عليه مقابل تلك المهزلة يبرر أخطاءه وعثراته وحتى الكشف عن سرّ تنويمه لمدة اثنتي عشرة سنة. إنهم جميعاً يقبضون في النهاية رغم كل شيء.فيما الكاتب الحقيقي يعرض مقالاته بالمجان ودون أن يحصل على أي مبلغ مقابل أتعابه

2009/04/25

لبيك يا حسين

عصمة اّل البيت لدى أخواننا الشيعة ( حقيقة ) !!!كنت في حوار مع زميلنا فهد الأحمد ... حول بيعة سمو الأمير نايف ... بعد أن أصدر مولاي الملك أمره ... بتعيينه نائبا ثانيا .و أمينا على الأمة .فهد ذكر أن لا أحد ( معصوم ) .أنا أوافقه الرأي ... تماما .بل أزيد ... أن سيّدنا محمد ... لم يكن معصوما .فمن أين أتت ( العصمة ) لاّل البيت ؟!!وأجزم ... أنه لا يوجد اليوم اّل بيت ( أصلا ) .وبيننا كتاب الله ... سبحانه .قاتل الله ... السياسة
.دام محاور
.ودمتم
.والسلام
.راعي إبل
منتدى محاور

البيلهي في أولى مكاشفاته: الوحيد الذي حرر الانسان هو الغرب


إبراهيم البليهي في أولى مكاشفاته :الحضارة الغربية هي الحضارة الوحيدة في التاريخ التي حررت الإنسان * ثقافتنا كانت ومازالت مستغرقة بمسائل الحلال والحرام لأنـها أساساً حضارة دينية* لولا منجزات الغرب لكانت حياتنا حياة جدباء قاحل* تمجيد النفس المتخلفة البليدة الراسفة في القيود هو ترسيخٌ للتخلف وتأكيدٌ للأصفاد* التخلف واقعٌ مشينٌ فينبغي أن نسخط عليه ونتخلَّص من أسبابه* الأفراد الذين نفاخر بـهم من أمثال ابن رشد وابن الهيثم والرازي كانوا تلامذة للفكر اليونانينشرت بتاريخ : 27 ربيع الاول 1430 هـبملحق الدين والحياة بصحيفة عكاظأجرى المكاشفات:عبدالعزيز محمد قاسمفي أولى مكاشفاته مع ملحق(الدين والحياة) قال المفكر السعودي إبراهيم البليهي بأن نقد الذات الكليلة التي يقوم بها هو مفتاح تحريكها وتغييرها نحو الأفضل، ورأى أن تمجيد النفس المتخلفة البليدة الراسفة في القيود هو ترسيخٌ للتخلف وتأكيدٌ للأصفاد، وقال البليهي بأن التخلف واقعٌ مشينٌ ينبغي أن نسخط عليه ونتخلَّص من أسبابه، وأكد البليهي في مكاشفاته أن الحضارة الغربية هي الحضارة الغربية هي الحضارة الوحيدة في التاريخ التي حررت الإنسان من قيوده وأصفاده وأن حضارتنا الإسلامية حضارة دينييه اهتمت بمسائل الحلال والحرام والكفر والإيمان فقط، والى تفاصيل المكاشفات :* سأبدأ من القضية المفصلية التي تميز فكر إبراهيم البليهي والتي يواجهه بها معارضوه دوماً وهي الانبهار الكامل بالغرب في مقابل تهوين كامل للعقل العربي..لأن هذا أستاذ إبراهيم أظهر ما يميز كتاباتك.وثمة جلد ذات حاد يميزه الكثيرون، ما هو الباعث لذلك؟ إن موقفي من حضارة الغرب هو موقفٌ يعتمد على الحقائق الجياشة وعلى الانجازات العظيمة وعلى الواقع المفعم بكل ما هو عجيب ورائع ومدهش إنه ليس انبـهاراً أعمى فهو عكس موقف المنكرين الذين يتجاهلون الأضواء الحضارية الباهرة فأدر طرفك فيما حولك من وسائل الحياة وسوف تُبصر أن كل ماهو جميل في حياتنا وحياة غيرنا قد أنتجته الحضارة الغربية حتى القلم الذي بيدك وجهاز التسجيل الذي أمامك والنور الذي يغمرك والجريدة التي تعمل فيها وغير ذلك مما لا حصر له من تسهيلات الحياة ووسائلها التي هي أشبه بالمعجزات والخوارق بالنسبة للحضارات القديمة فلولا منجزات الغرب لكانت حياتنا حياة جدباء قاحلة إن ما فعلتُه هو أنني نظرتُ بموضوعية وقيَّمتُ بعدل وعبَّرتُ بصدق عما أراه فالذي لا يُعجبه الجمال الرائع هو إنسانٌ عديم الحس والذوق والبصيرة فحضارة الغرب قد بلغت القمة في العلوم والتقنيات وأنجزت من المعارف والمهارات والاختراقات والريادة ما لم تعرفه أية حضارة سابقة كما أن إنجازاتـها قد غطت كل مجالات الحياة في التنظيم والسياسة والأخلاق والإقتصاد واحترام الإنسان فمن واجبنا أن نعترف لها بـهذا التميـز المدهش إنـها حضارة تستحق الإعجاب الشديد بل إن الإعجاب يبقى مقصَّراً في حقها مهما بلغ وليس التخلف الفظيع الذي تعيشه بعض الشعوب سوى النتيجة الحتمية لرفض هذا الفيض الزاخر من الأفكار والرؤى والإحتماء بالإنكار والمكابرة... لتعجب ما شاء لك أستاذنا بهذه الحضارة، ولكن ليس على حساب الغير وخصوصا حضارتنا نحن. إن إعجابي بالغرب ليس على حساب الغير وإنما هو دعوة لهذا الغير بأن يتعرَّف على أوهامه وأن يتجاوز هوانه وأن ينعتق من تخلُّفه وأن يعترف بقصوره وأن يجتهد ليتجاوز هذا القصور وأن يربأ بنفسه عن جحد الحقائق والتعامي عن الزخم الهائل من روائع الإنجاز وأن ينصف الأمم التي حققت الازدهار لنفسها فلم تتكتَّم ولم تحتكر وإنما أشركتْ العالم بنتائج هذا التقدم فصار العالم كله ينعم بمنجزاتـها بل وقدَّمت له من المعارف ومهارات الأداء ما أتاح له أن يزاحمها في الإنتاج ويقاسمها الأسواق إن نقد الذات الكليلة هو مفتاح تحريكها وتغييرها نحو الأفضل أما تمجيد النفس المتخلفة البليدة الراسفة في القيود فهو ترسيخٌ للتخلف وتأكيدٌ للأصفاد وطمسٌ لقابليات التألق إن التخلف واقعٌ مشينٌ فينبغي أن نسخط عليه ونتخلَّص من أسبابه...أسباب الإعجاب ليكن، ونحن معك في هذه المطالبة، ولكن أستاذ إبراهيم هل يمكن أن تلخص لنا سبب إعجابك بالحضارة الغربية في نقاط كي نستطيع وضع قاعدة للتحاور؟ ليس سبباً واحداً وإنما ألف سبب كلها تدفعني إلى الإعجاب الشديد بالغرب وتأكيد امتيازه المطْلق في كل شؤون الدنيا إن الحضارة الغربية هي الحضارة الوحيدة التي حررت الإنسان من أوهامه وأصفاده واعترفت بفرديته ووفَّرت له الإمكانات والفرص لبناء ذاته وتحقيق طموحه وأَنْسَنَتْ السلطة ووضعتْ من الآليات ما يكفل المساواة النسبية ويحقق العدل النسبي ويمنع الجور ويستسخف العدوان وهذا لا يعني أنـها حضارة من دون نقائص بل هي مليئة بالنقائص لكنها أعظم ما توصل إليه الإنسان في تجاربه الكثيرة خلال التاريخ الطويل فقد ظلَّت البشرية مكبلة بالاستبداد والعجز والفقر والظلم والمرض والتعاسة إنـها حضارة استثنائية وليست امتداداً للحضارات القديمة باستثناء الحضارة اليونانية التي هي منبع الحضارة المعاصرة وقد أنجزتُ كتابا عن هذه الطفرة الحضارية العظيمة الاستثنائية بعنوان ( التغيرات النوعية في الحضارة الإنسانية ) إن حضارة الغرب نتاج ذاتـها وليست مدينة لأية حضارة سابقة باستثناء الحضارة اليونانية التي هي امتداد لها وإحياء لفتوحاتـها في مجالات الفكر والعلم والأدب والسياسة والاجتماع واحترام الإنسان وتمجيد العقل والاعتراف مع ذلك بقصوره وأوهامه والتأكيد على حاجته الدائمة إلى النقد والمراجعة والتصحيح... حديثك هذا تنسف به كل جهود وإبداع الحضارات السابقة كالحضارة الإسلامية، بأنها الغرب لم يفد منها ؟ نعم ولا لأية حضارة سابقة من غير استثناء.. إن الحضارة الغربية تأسست في اليونان في القرن السادس والخامس قبل الميلاد ثم توقَّفَتْ في العصور الوسطى ثم استأنفت مسيرة الصعود في العصر الحديث وعمَّتْ خيراتـها كل الأمم فهي حضارة استثنائية بكل ما يعنيه الاستثناء من امتياز وتفرُّد وجدَّة فليست مدينة لأية حضارة وإنما هي نتاج ذاتـها إنـها ذات مكوَّنات وخصائص تختلف بـها عن كل الحضارات السابقة واللاحقة إنـها نتاج الفكر الفلسفي الذي أبدعه اليونانيون فقد اعتمد الأوربيون على هذا الفكر خصوصاً الجانب النقدي منه فحفز قابلياتـهم وطوَّر قدراتـهم ومكَّنهم من إنتاج المعرفة الموضوعية المفتوحة دوماً للمراجعة والتصحيح والارتقاء إن الثقافة اليونانية قد أنجزت ابتكار الفلسفة بما تعنيه من تأمل عميق وانفتاح مطلق ونقد لاذع ومراجعة فاحصة واعتراف بقابليات الإنسان للتلبس بالأوهام ككائن مقلَّد وذاتي التفكير ما لم يخرجه الفكر النقدي من هذه الذاتية التلقائية..الغرب يعترف بالفضل يا رجل بعض المفكرين الغربيين كتبوا نصا أن الحضارة الغربية امتداد لحضارات سبقتهم..وأنت العربي المسلم تنفي ذلك ؟ حين نراجع أسماء الفلاسفة والعلماء المسلمين الذي نوَّه الغربيون بفضلهم على الغرب من أمثال ابن رشد وابن الهيثم وابن سيناء والفارابي والرازي والخوارزمي وأمثالهم نجد أنـهم جميعا قد تتلمذوا على الثقافة اليونانية وكانوا أفراداً خارج النسق السائد وكانوا وما زالوا غير معترف بـهم في ثقافتنا بل لقد أحرقنا كتبهم وضيَّقنا عليهم وحذَّرنا منهم ومازلنا ننظر إليهم بالريبة والاشمئزاز فكيف نفخر بأفراد نحن استبعدناهم وأنكرنا فكرهم وحاولنا استئصالهم؟!!!أما في مسألة التطور الحضاري فيوجد اتجاهان : اتجاهٌ يرى أن الحضارة نتاجٌ تراكميٌّ وهذا اتجاهٌ تنقضه حقائق التاريخ أما الاتجاه الآخر فيرى أن الكم لايتحول إلى كيف إلا بطفرة استثنائية وهذا الاتجاه هو الاتجاه الصحيح المقنع الذي التـزم به فالكم لا يمكن أن يتحول تلقائيا إلى كيف أبداً وقد دلت التجارب الإنسانية بأن التقدم لا يتحقق إلا بمخاضات عسيرة تعيد تركيب البنية الثقافية بشكل يسمح لها بالانفتاح والنمو والتغيُّر وإعادة التكوين والازدهار...إن الحضارة الوحيدة التي تملك مقومات الصعود الدائم هي الحضارة الغربية بأساسها اليوناني وتكوينها المعاصر المدهش لأنـها تملك آليات النقد والحفز والمراجعة والاعتراف بعدم الاكتمال إنـها تبدأ بتأكيد أصالة الجهل وأولوية الوهم ثم تعمل جاهدة للتغلب النسبي على الجهل المركَّب والوهم المتأصَّل في الثقافات البشرية إنـها تؤمن باستحالة امتلاك الحقيقة المطلقة كما تؤمن بأن الكمال البشري محال فعلى الإنسان أن يسعى جاهداً إليه مع الاعتراف باستحالة بلوغه لذلك فإنـها الحضارة الوحيدة التي هي في حالة نمو دائم ومراجعات مستمرة وتصحيحات لا تتوقف وكشوف متصلة أما الحضارات القديمة فكانت تشبه حياة الفرد : حمل ثم ولادة ثم نمو ثم استقرار ثم شيخوخه وتدهور وموت ولم تكن تحصل في الحضارات القديمة إضافات نوعية تغيَّر مسيرة الحضارة وإنما كل حضارة تبدأ من حيث بدأت التي قبلها وتنتهي بنفس النهاية... ولكن على أنقاضها وتتم ما بدأته؟ كل حضارة كانت تـهدم التي قبلها ثم تعيد بناء ما هدمتْه ثم لا تضيف إضافات نوعية تتحقق بـها وثبة حضارية وإنما تـهجُم القبائل غير المتحضرة على المجتمعات المستقرة المتحضرة نسبيا فتستولي على السلطة وتـهدم وتدمَّر وتعيد الأوطان إلى نقطة الصفر ثم تبدأ في النشوء ثم ترتقي إلى مستوى الاستقرار فتتوفَّر أسباب الرخاء والترف لأهل السلطة ثم تبدأ عملية الانحدار وتنتهي بالسقوط من غير أن تضيف إضافات نوعية تتغيَّر بـها مسيرة الحضارة وهكذا كانت البشرية ترتقي نسبيا ثم تسقط ويتكرر المشهد على نفس الوتيرة حتى جاءت الحضارة المعاصرة ذات التكوين المغاير فحققت النمو المستمر والصعود الدائم حتى بات المحصول المعرفي والتقني للإنسانية يتضاعف كل بضع سنوات فيتحقق في سنة واحدة ما لم يكن يتحقق في قرون!!! فنحن إذن أمام حضارة جديدة استثنائية تختلف عن أي حضارة سابقة أما تغييب هذه الحقيقة الصارخة عن أذهان أجيالنا فإنه بالغ الضرر لأنه أبقانا متخلفين كما كنا وحَرَمنا من إمكانات الإزدهار الجديدة التي استخدمها الآخرون فازدهروا...انبهار كامل بالغرب دعني أسألك عن هذا الانبهار الكامل منك بهذه الحضارة.. أضواء هذه الحضارة شديدة السطوع، إنـها باهرة فلا يتجاهل سطوعها إلا العميان أما الذي يملك بَصَراً وبصيرة فلا بد أن ينبهر بـها إننا نسيء لكلمة ( الانبهار ) بسوء استخدامنا لها إن الانبهار استجابة طبيعية تلقائية للضوء الباهر أو الجمال الفاتن إن الانبهار إدراكٌ للروعة وانجذابٌ للجمال واعتراف لأهل الفضل بالفضل ولأهل الإبداع بالإبداع فهل كانت أية حضارة سابقة تحلم بما تحقق من كشوف مذهلة وعلوم دقيقة وتقنيات بالغة التعقيد والروعة وهل كان السابقون يتخيلون فتح صدر الإنسان أو رأسه وإجراء العمليات الدقيقة وترميم القلوب وتنظيف الأدمغة؟!!! وهل كانوا يتخيلون التعمق في الخلية الحية واكتشاف تكوينها المذهل ومعرفة خرائط الحياة بأدق التفاصيل وأعجب الكشوف !!!؟ وهل كانوا يتخيلون الطائرة والسيارة والهاتف ومالا حصر له من منجزات هذه الحضارة وهل تريدنا أن نعود فنكتب على الجلود والبردي ونكتب بالعيدان وننسخ الكتب بخط اليد ونركب الحمير ونتعالج بالكي ونستضيء بإيقاد النار؟!!! إن الجدال حول قضايا بمثل هذا السطوع والوضوح يشهد على أن الإنسان إذا تبرمج على شيء فإنه يصير أعمى البصر والبصيرة!!!؟  عفوا عفوا..لم يطلب منك أحدٌ أن تعود لعهد الحمير. لكن المطلوب فقط هو العدل والاتزان في التقييم التاريخي. أنت الآن تقول: إنك تريد (الاعتراف لأهل الفضل بالفضل). لكنك في الواقع جحدتَ كلَّ فضل كان موجوداً قبل الحضارة الغربية. ففي حين يتفق الجميع (شرقيهم وغربيهم) على أن المنجزات البشرية ذات طابع تراكمي، نجدك تلغي هذه القاعدة البدهية حين يتحدث عن المنجز الغربي. عاشت البشرية آلاف السنين وهي تجتر نفس الأفكار وتعيش نفس الأوضاع وتستخدم نفس الوسائل والأدوات وكان ممكنا أن تستمر إلى الأبد لولا بزوغ الفكر الفلسفي في اليونان في القرن السادس والخامس قبل الميلاد إن التقدم الحضاري بمستواه الحالي لا يمكن أن يتحقق بالتراكم وإنما هو نتاج ثوارت عظيمة في مجالات الفكر والعلم والسياسة والاجتماع والعمل فالإنسان كائنٌ تلقائي وهو كائنٌ مقلَّد ولا يخرجه عن رتابته التلقائية سوى صراع الأفكار وتوفُّر الحريات وتكافؤ الفرص وتعدُّد الخيارات وأكبر دليل على ذلك أن الكثير من الشعوب في الوقت الحاضر تعيش في دَرَكات التخلف رغم توفر العلوم والتقنيات والأفكار إنـهم يشاهدون تجارب الازدهار حية أمام الجميع ورغم كل ذلك عجزتْ هذه الشعوب المتخلفة عن مبارحة خنادقها والانفكاك من أغلالها أي أنـها لم تستطع تقليد ومحاكاة المزدهرين فهي إذن أشد عجزاً عن الابتكار والمبادرة...الجوانب الروحية والقيمية يا أستاذ إبراهيم، هنا سؤال مفصلي في سجالنا، هل مفهومك للحضارة هو في جانبها المادي فقط؟ أهم ما أنجزته الحضارة الغربية هو أَنْسَنَة السلطة وتوزيعها وإيجاد التوازن بين أركانـها إن الحضارة الغربية قد جعلت الأولوية في الاعتبار للإنسان الفرد فطوَّعَتْ مؤسساتـها وقوانينها وإجراءاتـها ورؤاها لهذا الاعتبار المبدئي أما في الحضارات القديمة فلم يكن الفرد أكثر من خلية في جسم أو تُرساً في آلة... ترساً في آلة؟! وبرأيك حتى الحضارة الإسلامية فعلت هذا ؟ يجب التفريق الحاسم بين الإسلام ذاته وبين ما يمارسه الناس باسمه إن مبادئ الإسلام العظيمة وتعاليمه السامية التي أكدت قيمة الإنسان وفرضت احترامه لم يُتح لها خلال التاريخ أن تتوطد فمنذ انتهاء الخلافة الراشدة أصبحت فردية الإنسان في التاريخ العربي مطموسة فقد ارتبطت قيمة الإنسان بانتمائه السياسي أو المذهبي أو الإقليمي أو العشائري أما الإنسان الفرد فلا قيمة له إلا بمقدار قربه من السلطة أو انتمائه لهذا المذهب أو ذاك أما الحضارة الوحيدة التي اعترفت بالإنسان الفرد واحترمت خياراته فهي الحضارة الغربية وحْدَها إن التعاليم العظيمة التي جاء بـها الإسلام ثم لم يعشها الناس في واقع حياتـهم لم تترك أثراً دائماً وتلقائيا في نفوسهم فالسلوك في أي مجال ليس نتاج التعاليم وإنما هو نتاج الممارسة والمعايشة لأنه لابد أن يكون انسياباً تلقائيا فالإنسان كائنٌ تلقائي ولا يؤثر فيه إلا ما كانت الاستجابة له تلقائية... ما ترمي به من أوصاف هل هو على امتداد تاريخنا العربي؟ نعم كل التاريخ العربي باستثناء فترة الخلافة الراشدة وفترات متقطعة كفترة عمر بن عبد العزيز ينطبق عليها هذا التشخيص المأساوي فلا يجوز أن نخلط بين مبادئ الإسلام السامية وتعاليمه العظيمة وبين تاريخنا المليء بالأخطاء والتجاوزات والمآسي فعندما انتصر العباسيون على الأمويين فرشوا البُسط على القتلى وراحوا يأكلون فوق الجثث إمعاناً في الانتقام والتشفي وحين انتصر المأمون على أخيه الأمين سلَخَ جلده كما يُسلخ الخروف!!! ويتكرر المشهد في التاريخ العربي على امتداده فالسلطة هي القيمة المحورية في الثقافة العربية ففي هذا العصر تلاحقت الثورات في العالم العربي نزاعاً على السلطة وليس محاولة للتغيير نحو الأفضل بل اللاحق يكون أسوأ من السابق...  أستاذ إبراهيم، ألم تقرأ في تاريخ أمتك عن مئات العلماء الذين كان لهم ثقلٌ وشأنٌ، وسيرتهم تدرس إلى اليوم، مع أنهم لم يملكوا سلطاناً ولا عشيرة ولا انتماء مذهبي ولم يكن لهم قيمة إلا بما حملوا من علمٍ؟! هذا كلامٌ عامٌّ ليس له رصيد من الحقائق فالتاريخ في كل فتراته عدا فترة الراشدين كانت توجهه السياسة فحين سيطر الفاطميون على مصر وشمال أفريقيا صارت ذات طابع شيعي وحين قضى صلاح الدين الأيوبي على الفاطميين طارد كل شيء له علاقة بالتشيُّع ونجد العكس تماماً حين حوَّل الصفويون إيران إلى التشيُّع مما جعل العثمانيين ينحون منحى معاكساً وهكذا فالتاريخ العربي أو الإسلامي بمعناه الأوسع هو نتاجُ التلقلبات السياسية إنه سلسلة من تطويعات الثقافة لأهواء البشر...الحكم بمنظار التاريخ دعني أتوقف معك هنا، أنت تمارس انتقائية عندما تختزل التاريخ الإسلامي بالتاريخ السياسي للأمة الإسلامية، والتاريخ السياسي رغم ما فيه من مآسي إلا أنه ليس بتلك الدرجة التي تضخمها وتتناسى في المقابل التاريخ العلمي والجاد للأمة والبعد الحضاري في التاريخ الإسلامي الذي نقل الناس إلى أبعاد مدنية عظيمة في الوقت الذي كانت أوروبا ترزح فيه تحت حكم الإقطاع والكنيسة والجهل والتخلف. نحن نتوارث مسلَّمات ثابتة عن تاريخنا وتاريخ الأمم الأخرى من دون أن نقرأ تاريخنا قراءة نقدية فاحصة ومن غير أن نقرأ تاريخ الآخرين بموضوعية وإنصاف فالحضارة اليونانية الباهرة ظهرت في القرن السادس قبل الميلاد وبلغت ذروة إزدهارها في القرن الخامس قبل الميلاد أي أن الحضارة اليونانية ظهرت قبل الحضارة الإسلامية بقرون وكانت الفلسفة اليونانية هي المصدر الذي استمد منه الفلاسفة المسلمون فلسفتهم فالأفراد الذين نفاخر بـهم أحيانا من أمثال ابن رشد وابن الهيثم والرازي والكندي والخوارزمي والفارابي ..كانوا تلامذة للفكر اليوناني أما حضارتنا فهي حضارة دينية وفقهية إنـها مستغرقة بتفاصيل ما يجب على المسلم أن يفعله وما يجب أن يكفَّ عنه في علاقته مع الله وتفاعله مع الآخرين وهذه مهمة عظيمة وتستحق التبجيل لأن الدين محور الحياة لكن يجب أن نعترف بأن انجازاتنا إنحصرت في هذا المجال العظيم فلا ندعي أيضا بأن الغرب اقتبس منا أنواره الدنيوية... إن ثقافتنا كانت ومازالت مستغرقة بمسائل الحلال والحرام والكفر والإيمان لأنـها أساساً حضارة دينية لقد خرج العرب من جزيرتـهم دعاة إلى دين الله الحق وظلوا أوفياء لهذه المسؤولية العظيمة حتى حين تكون الدولة غير عربية كالدولة العثمانية تبقى ملتـزمة بـهذا الإهتمام المحوري...  كونهم تتلمذوا على الحضارة اليونانية، فهذا ليس عيباً. فهكذا هي الحضارات الناشئة، تستفيد من الحضارات السابقة، وتبني عليها؟، فهل كان المطلوب من هؤلاء أن يلغوا منجزات اليونان، ويبدأوا من الصفر؟ لست أعترض على التتلمذ إنما أردت أن أوضح أنـهم ليسوا نتاجنا فأولئك الأفراد الأفذاذ لم يكونوا نتاج الثقافة العربية وإنما كانوا نتاج الثقافة اليونانية فهم بالنسبة لنا خارج نسقنا الثقافي فتعامَلْنا معهم على أساس أنـهم نوابت غريبة فعملنا على استئصالهم كما تُستؤصل النباتات الضارة من الحقول فلا يحق لنا أن نفخر بـهم مادمنا قد رفضناهم وحاربنا أفكارهم ومن ناحية أخرى فإن استفادة أوربا منهم هي من نوع بضاعتنا رُدَّتْ إلينا لأنـهم امتدادٌ للثقافة اليونانية التي هي مصدر حضارة الغرب برمتها...
من منتدى محاور

2008/08/30

مسلسل "نور" وحراس الفضيلة…!!!

مسلسل "نور"... وحراس الفضيلة…!!!لقتْ المسلسلات التركية نجاحاً منقطع النظير في نسبة المشاهدين في العالم العربي... وهي تدرج من مسلسلات "الصوب" (Soap)، وهي من المسلسلات الهابطة التي تستهدف في الغرب (مصدر نشوئها) العجائز وربات المنازل من قليلي التعليم... لذا تتسم هذه المسلسلات بالطول والحوادث المتتالية التي لا ترمي إلى هدف أو غاية جمالية، بله الإثارة والتشويق!!!ويا للعجب حيث لا عجب، لقد انتشرت هذه المسلسلات مثل النار في الهشيم في المجتمعات العربية، حتى أوسع من انتشارها في تركيا ذاتها... ويزايد جمهورها يوماً بعد يوم في المجتمعات العربية، لا سيما في الخليج والسعودية بالذات... يشاهدها كافة الشرائح، حتى أن شعبيتها فاقتْ توقعات القائمين على قناة "أم بي سي"... ولقد أصبح أبطالها نجوماً يهفو لهم الملايين من الشعب العربي، وهذا ما ثبت في زيارة أبطال مسلسل "نور" لمدينة "دبي"...!قرأتُ مقالات كثيرة من كتّاب صحفيين، حاولوا أن يفسروا هذا الهوس الشعبي بـهذه المسلسلات التركية... مرة أرجعته إلى افتقار المجتمعات العربية إلى العاطفة الرومانسية، وتارة أرجعته إلى فضولها في معرفة ثقافة غابتْ عنها منذ زمن (هي الثقافة التركية)، لأنها كانت جزءاً لا يتجزأ من الثقافة العربية في عصر الإمبراطورية العثمانية... !وهي تفاسير ضعيفة حقيقةً في رأيي... فالمسلسلات العربية لم تخلُ قط من عاطفة رومانسية، بل أزعم، عكس من ذلك، فهي تعاني من تضخم في هذا الجانب العاطفي على حساب قيمتها الفنية، والمجتمعات العربية لم يعرف لها فضول في معرفة الثقافات الأخرى، ولا سيما التركية التي شُوهتْ في العقل العربي، لأسباب أدلوجيّة محضّة، تأتتْ من وهج القومويّة التي عصفتْ بالعالم العربي، منذ الحرب العالمية الأولى، وفشل ثورة الشريف في إقامة إمبراطورية عربية مستقلة، وأشتد أوارها في والخمسينات والستينات في ابان الوهجّ الناصري القوموي العربي، وقبل ذلك، وهج الأدلوجة الإسلامية التي صورت تركيا على أنها دولة الزنادقة، لأنها أسقطت الخلافة، واختارت أن تلتحق بركب أوربا، وتتملّص من جذورها الإسلامية!إذن الأمر يتجاوز هذه التفاسير في ظني!!!لا أزال أذكر كيف أن أعضاء البرلمان البحريني من "الإسلاميين" احتجوا على عرضٍ قُدم من إخراج الموسيقار "مارسيل خليفة"، وبشعر "قاسم حداد" في البحرين، لأن بعض المشاهد - في نظرهم - تحتوي على مشاهد تخلُ بالآداب العامة، وقد فعلوا ما في وسعهم لكي يمنعوا هذا العرض!!!ولا شك بأن مارسيل خليفة وقاسم حداد من كبار الفنانين، الأول في الموسيقى والغناء، والثاني في الشعر والأدب... وهما من أعلام الفن الراقي، فليسا هما من يروم إرضاء السوقة والعامة بمناظر شهوانية... رغم ذلك، لم يسلما من قدح هؤلاء، ومن شجبهم، ووصايتهم، واستبدادهم، بحجة أنهم حراس الفضيلة وأوصياء المجتمع!وهذه ليست حادثة فريدة من نوعها، فقد ظلت القوى المحافظة، وعلى رأسها القوى الدينية المتطرفة، تحارب الفن الراقي بحجة الوصاية... وتساهم في تحجيم هذا الفن، الأمر الذي أتاح مجالاً للفن العفن الذي لم يكن يكترث بهذه القوى الدينيّة، وظل قادراً على تخطيها، لأنه يستمد قواه من غرائز السوقة والعامة، وله من يمده بالقوة والجاه – أقصد المال الذي يجنيه من هذا الفن!!القوى الدينية وتياراتها تفتخر من وقت وآخر بانتصارها في كسب فؤاد الشعوب العربية، وهزيمتها للفن (كذلك الفكر) الذي لا يخضع لأدلوجتها، وتتبجح بأنها استطاعت أن تهيمن على العقل الشعبي... وصعود التيارات الإسلامية بعد سقوط التيارات العروبية التقدمية في السبعينات كان مصدر فرحاً لها...!شُوهتْ هذه التيارات كل رموز التقدم وأفكاره، وتركيا الأتاتوركيّـة كانت في أعلى قائمتها، صوبت لها نبالها، حتى ظنت بأنها أردتها قتيلاً... فتوهمت بأن تركيا أضحت في المخيال العربي الإسلامي دولة علمانية كافرة، تنصلت عن هويتها وأصالتها ودينها...!حولت تركيا والمجتمع التركي - بالتالي - إلى عالم غرائبي محرم الدخول فيه - فاكهة محرم أُكلها، وها هو المجتمع العربي يجد نفسه وجهاً لوجه أمام هذه الفاكهة المحرمة، فيأكلها بكل شغف من دون أن يلتفت إلى صراخ الوعاظ!!!إن إقبال الشعوب العربية على هذه المسلسلات كانت صفعة لهذه التيارات الإسلامية، فلا تزال المجتمعات العربية تتطلع إلى "التحرر"، حتى لو كان هذا مكبوتاً في عقلها الباطني، لأنها تجد صعوبة بالغة في التعبير عنه، هي مقيدة بالمحرم من كل صوب وجهة... المحرم الذي وعدت بأن التقيد بالشريعة كفيل بأن يلحقها بالأمم الغالبة القوية، والأهم يدخلها جنات عدن ويضمن لها حور عين، وجنة خالدة يسقون فيها بخمره تسكبها غلمان مخلدون...!انهمار المجتمعات العربية هي علامة على فشل الخطاب الوعظي الذي ظل يهدر ويزمجر بالويل والثبور لكل من يخالف مبادئه ويخرج عن صراطه المستقيم...!فها هي المجتمعات العربية تهفو إلى صورة مخالفة لها … وتَرِدُ من مجتمع تركي علماني تقدمي، يقدم لنا صورة حداثية للعلاقة العاطفية ما بين الرجل والمرأة من دون هذه الحواجز تفصل الجنسين …!!!ورغم كل هذا "الصراخ الوعظي" الذي هتفتْ به حتى أعلى سلطة دينية – أقصد "دار الإفتاء"، إلا أنه لم يحرك حقاً مخبوء المجتمعات العربية حتى تلك المجتمعات التي تزعم بأنها تتبع التقاليد الدينية مثل المجتمع السعودي …!فهذه الصورة "المخالفة" هذا المرة لم تأت من الغرب، بل جاءت من القريب البعيد (أو البعيد القريب) - أقصد من تركيا في ظل حكم الحزب الإسلامي، وهكذا انفجر لغماً (أو ألغاماً) كان مدفوناً في الأرض العربية، رقص على دويه الشعوب العربية، وأصابت شظاياه تيارات حراس الفضيلة من الدوغمائيين والمؤدلجيين الذين ظلوا ينكرون الواقع حتى أصابهم مقتلاً…!
تحياتي،
الكيان الحر
-----------

2008/08/29

الاستبداد وآليات إعادة انتاجه والسبل الممكنة لمواجهته

الاستبداد وآليات إعادة انتاجه والسبل الممكنة لمواجهته
(تطبيق على المملكة العربية السعودية)
الأستاذ توفيق السيف
بيـئـة الاستبدادهي استعارة من المرحوم مالك structural limitations القابلية الاجتماعية للاستبداد بن نبي الذي طرح فكرة "القابلية للاستعمار" كأداة لتفسير تغلغل الاستعمار في البلدان الإسلامية. كل نظام اجتماعي (بما هو منظومات قيم ، وتوازنات ، ونمط إنتاج) يسمح بخيارات محددة ويمنع أخرى . هذه المفاضلة وتجلياتها الواقعية ليست قرارا واعيا ونهائيا ، بل هي محصلة موضوعية للتفاعل بين مجموع العناصر التي تشارك في تكوين الحياة الاجتماعية إضافة إلى تأثير العوامل الخارجية. القابلية للاستبداد ضمن هذا المنظور ليس ردة فعل مؤقتة على ازمة اقتصادية او سياسية خانقة كما تطرحه نظرية الزعامة الكاريزمية مثلا ، بل نمط ثقافي-اجتماعي يتمتع باستمرارية وعلاقة تفاعلية مع مجموع العناصر المكونة لظروف المعيشة في مجتمع محدد. وسوف تركز هذه المقالة على العوامل الثقافية في هذا النمط . الثقافة السياسية لمجتمع ما - حسب وصف الموند – هي بمثابة خريطة ذهنية تحدد صورة الفرد كفاعل سياسي مقارنة بغيره من الفاعلين ، كما تحدد صور العلاقة بينهما ونوعية الافعال وردود الافعال المتوقعة من جانبهم[1].خيار السلطة المستبدة يصبح مرجحا عندما يفشل المجتمع في استنباط نظام عمل اجماعي لادارة شؤونه العامة . فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية ، فان العوامل التي رجحت هذا الخيار في الحقبة التاريخية التي شهدت قيام الدولة ، هي : ذهنية الخضوع ، التفكك ، والطرفية.1- ذهنية الخضوع: ونعني بها هنا المستخلصات العامة التي تمثل مرجعية للتفكير الفردي والعقل الجمعي على السواء . رغم التنوع الذي يحفل به تاريخ المسلمين القريب والبعيد ، الا ان الصورة العامة التي يستذكرها معظم الناس عن علاقة المجتمع بالدولة في معظم العصور الاسلامية هي صورة حاكم فرد ورعية طائعة . هذه الصورة جرى تعميمها وتبريرها على اساس ديني حينا واخلاقي حينا اخر[2] في ظل غياب حراك علمي يقوم على المناقشة والنقد ومراجعة الحقائق والمنقولات . فحتى وقت قريب كانت معرفة الجمهور بالتاريخ هي مزيج من نقل الوقائع وتبريرها . وفي كلا الحالتين ، فقد كان النقل والتبرير عملية انتقائية تستهدف تثبيت منهج خاص في العمل السياسي يدور حول تشريع حكم المتغلب . في هذا المنهج يعتبر وجود حاكم مقتدر نعمة الهية وضرورة لا غنى عنها لحفظ النظام العام ، وينظر الى العامة باعتبارهم غوغاء وغثاء ، والى تحركهم باعتباره فتنة وخروجا عن الجادة[3].هذا النوع من الثقافة لا ينظر الى السلطة السياسية باعتبارها مؤسسة اجتماعية اعتيادية ، بل ناديا خاصا لطبقة تختلف عن عامة الناس . الحصول على السلطة هو تطور طبيعي ، بل قدر مكتوب لاشخاص محددين بسبب هوية موروثة او مزية طبيعية او نعمة غير مترقبة هبطت من السماء. وبناء عليه فان العمل السياسي ليس منشطا اجتماعيا عاديا متاحا لكل الناس . كما ان سعي الافراد العاديين للسلطة ليس من الامور التي تحظى بالتاييد او الاستحسان . في حقيقة الامر فان الوصول الى السلطة هو مطمح لكل فرد في هذا النوع من المجتمعات ، لكن السلطة في الوقت ذاته بغيضة ومخوفة وهي تكثيف لكل عيوب الدنيا ، فالسعي اليها انجراف وراء زخرف الحياة الدنيا وانحراف عن الطريق القويم[4] .2- التفكك :تألفت المملكة العربية السعودية من ضم عدد من الاقاليم تمتد بين البحر الاحمر والخليج العربي افقيا ، وبين اليمن وتخوم الشام والعراق عموديا. رغم انتماء جميع السكان في هذه الاقاليم الى الاطار العربي الاسلامي ، الا ان كلا منها تاثر بتجربة تاريخية مختلفة كما اعتمد نمطا خاصا في المعيشة ، وبالتالي فقد حصل كل منها على شخصية تنطوي على تمايز يمكن اعتباره في ادنى التقادير درجة من النمو مختلفة . يستمد التفكك مبرراته ايضا من نمط الانتاج السائد في مختلف اقاليم البلاد ، والذي يتسم بانعدام الفائض الراسمالي الذي يستدعي قيام علاقة مصالح تفاعلية بين المناطق المختلفة . وهي سمة لاحظها كل دارسي المناطق الشبيهة للجزيرة العربية . واظن ان اقرب النماذج التي يمكن مقارنتها هنا هو نموذج الاقتصاد السياسي للمناطق القاحلة كما عرضه المفكر الايراني هما كاتوزيان[5] . هذا النموذج اكثر قربا لواقع الجزيرة عند الاخذ بعين الاعتبار علاقة الاقتصادي بالسياسي ضمن الاقليم الواحد ، وضمن حدود معينة اذا اخذ بعين الاعتبار مجموع الاقاليم كوحدة واحدة [6].تمايزت مناطق الجزيرة العربية عن بعضها بفوارق مذهبية ، ومعيشية ، واختلاف في مستويات الثقافة ، كما كانت هناك منظومات سلطة محلية شبه مستقلة. وبالتالي فان الذي جرى تجميعه في الاطار الوطني لم يكن اعدادا من البشر بل منظومات اجتماعية يحمل كل منها هوية خاصة قابلة للمقارنة بالهويات الاخرى[7]. ومن هذه الزاوية فقد كان المؤمل ان يترجم توحيد المملكة في احتواء هذه الهويات الخاصة ضمن هوية جامعة هي الهوية الوطنية . لكن ما حصل فعلا يترواح بين الاهمال التام لهذه الهويات حينا ومحاولة تدميرها واحلال الهوية الثقافية للقوة الغالبة حينا اخر[8]. في الوقت الراهن مثلا ، فان اللباس الوطني للسعوديين هو اللباس النجدي والفولكلور الذي يعرض في المناسبات الرسمية هو العرضة النجدية[9] ، لكن احدا لا يسمع عن الفولكلور الحجازي الغني بالالوان ، او اهازيج البحارة التي اشتهرت في ماضي المنطقة الشرقية.3- الطرفية :لاسباب تاريخية وموضوعية فان السياسة كمنشط حياتي تنحصر في المركز وتغيب نسبيا او تماما في الاطراف . والسياسة المعنية هنا هي بالخصوص الاعمال التي ترتبط بالدولة . ولا يغير من هذه الحقيقة وجود انواع من السلطة في كل قرية او مدينة . ان وجود الدولة كهيئة سياسية محصور في العواصم . اما في الاطراف فهي موجودة كقوة امن. ويترتب على هذا ان الوعي التفاعلي بالسياسة ، اي فهمها والتعامل مع الفاعلين فيها وربما محاولة الاقتراب منها وتجريبها ، محصور من حيث الامكانية في العاصمة[10]. عرض الموند وفربا في بحثهما المشهور عن الثقافة السياسية ثلاثة نماذج قياسية هي ثقافة المشاركة ، وثقافة الخضوع ، وثقافة العزلة. وجرى تعريف النموذج الاول بانه المجتمع الذي يعي تاثير الدولة عليه وقدرته على التاثير فيها، بينما الثاني هو الذي يعي بتاثير الدولة عليه مع عجزه عن التاثير فيها ، اما الثالث فهو الذي لا يشعر بوجود محسوس للدولة في حياته[11]. وثمة ميل واضح بين الباحثين الى امكانية تصنيف النوع الاول باعتباره احتمالا قويا في المراكز الحضرية بينما يكون الاحتمال الثاني قويا في الاطراف والثالث في الارياف او التجمعات السكنية المعزولة.ولا تتوفر معلومات كافية لتاكيد ان النوع الثالث على وجه الخصوص كان موجودا بالفعل في الجزيرة العربية ، رغم ان وجوده يمثل احتمالا قائما . الا انه يمكن القول ان جميع اقاليم الجزيرة العربية التي تشكل الممملكة اليوم ، كانت تاريخيا ضمن الاطراف. ربما كان الحجاز هو المنطقة الوحيدة التي شهدت قيام ما يشبه الدولة – بالمفهوم الحديث – لفترة يسيرة . ولهذا ، وبهذا المقدار تولد فيها وعي بالسياسة والدولة يتجاوز بقية اقاليم الجزيرة . لكن لا بد ايضا من بعض التحفظ هنا اذ ان حكومة الحجاز لم تكن مستقلة تماما ، فقد كانت تابعة للسلطنة العثمانية مثل بقية الاقاليم .بقي التصنيف الى مركز وطرف قائما في ظل الدولة السعودية ، اذ انحصرت ممارسة السياسة في عدد محدود من الافراد يجمعهم نسب وسكن ومذهب ، وتجلى الوعي بهذه الحقيقة في التسمية التي سبقت اعلان اسم المملكة العربية السعودية (سبتمبر 1932) ، حين كانت اقاليم الجزيرة العربية التي امست خاضعة للعرش السعودي تسمى "سلطنة نجد وملحقاتها" .نحن نتكلم عن الاستبداد في معنى الانفراد بالقرار والاستفراد بقوى الدولة المادية والمعنوية ، وهو مفهوم يقابل مفهوم المشاركة او الاشتراك . اذا اخذنا مفهوم المشاركة باعتباره وعيا يرتبط بتجربة ، اي وعيا بالفعل او ثقافة ، فان امكانيته محصورة بتوفر امكانية للحياة السياسية ، اما مع انعدامها كما هو الحال في الاطراف ، فان الكلام يصبح غير ذي موضوع.طبيعة الاستبداد : النموذج البدويشهدت السنوات الاخيرة محاولات جدية من جانب عدد من المفكرين العرب والمسلمين لاعادة تفسير المكون التاريخي للثقافة والنظام الاجتماعي في الشرق الاسلامي ، تركزت في اطارها العام على نقد المنظور التاريخي الذي يماثل تطور المجتمع العربي مع الاوربي ، ولا سيما في افتراض ان الاوضاع الحالية هي استمرار لـ ، او انتقال من مرحلة ساد فيها اقتصاد سياسي يقوم على الاقطاع كمكون رئيس لعلاقات الانتاج . واقترح الجابري مثلا ثلاثة عناصر بديلة لتفسير الحراك التاريخي هي القبيلة ، الغنيمة ، والعقيدة . ويحاكي هذا المنظور الى حد كبير النموذج الذي عرضه ابن خلدون ، ولا سيما ربطه للملك بالعصبية المدعومة بالدعوة الدينية[12] .
---------------

2008/08/18

عيب عليكم أيها المثقفون



ان اغلب ان لم يكن جل الكتاب يتناولون تحريك الجرح ولكن يبعدون – ولا اعرف السبب – عن الولوج المباشر الي .. ولو ... مقترح الحل .

انا اقول :-
المواطن ليس غلبان
المواطن مطحون ومسحوق
ومتنيل بنيله كمان

لكن يستاهل طالما رضي وارتضي السكوت عن حقوقه .. او تناول اي مشكلة وطرح الحلول والبدائل للحلول بعقلانية وتفكر واستبصار .

المواطن غيب في فترة جهل منه وتجهيل متعمد من الاخرين ، حتي غدا ..الاتكالية ذاتها .. وليس الاتكال .
ثم نقول ونصيح :- هناك فساد !! هناك سرقات !!
المسئولين يسرقون !! الوزراء يدلسون !!

ولا رجع لاي صدي لماذا ؟
لان المواطن عود علي الرضي بما يقدم .. وعود علي انه ضيف علي الدولة لاصاحب حق ومشاركة وتناغم عزف لسمفونية ( وطن ومواطن ) و ( ثروة ومقدرات .. ومشوار طريق ) .

هذا التغيب المتعمد اوجد الفئات الباغية وتلك الاخري الطفيلية التي تقتات علي تضخيم اخطاء المسئولين والعزف عليها .. وهي تعي وبكل قناعة ان عزفها ما هو الا صراخ صدي ورجعه في صحراء جف منها اي أثر لرجع فعل لارجع صدي . او اثر حياة .

ولو سائلت اي مثقف او مفكر :-

ماهي مشكلتنا ؟
اقسم انه سيحار وسيبدء في خلط الاوراق والقفز علي الفاظ استهلاكية استدراكية ليوحي لمسائله بدرجة عالية من الثقافة والفهم ومن كلمات امثال .. اقطاعية حديثة / صراعات طبقية / سوء توزيع للموارد ...الخ من الكلمات والعبارات والتي لاتسمن ولا تغني من جوع .

أفة مجتمعنا المتسلقون علي هموم الوطن وهموم المواطن .. بل واكثر من المتسلقون علي ثرواته ومقدراته لان الاخيرين مرض يمكن شفاءه بينما الاولين سرطان لايرجي براءه .

وفي المقابل .... حالمون ...
من يرون ان الحلول لن تكون ولن تستقيم الا بالجذرية المطلقة !
لانه وببساطة تسطيح وسوء فهم وتقدير .

الحلول لن تكون ولا تكون الا بالتدرجات المرحلية ..
اعطوني وطنا علي البسيطة وحكومة ... نقيا لافساد فيه ولا افساد؟
صدقوني لن تجدوا ، فحتي اعتي الحكومات واكثرها ممارسة للديمقراطية .. تعاني من نزف الفساد ! ولكن فسادها ومفسدوها يقننون افسادهم لانهم يتوقون الوقوع والانكشاف فالمسائلة .
والا .. فالفساد صفة ملازمة لكل ضعيف نفس وضعيف ذمة وولاء.
ومن المسائل أوالمحاسب ؟ هو المواطن هناك . ومن خلال انظمة لاتحمي المغفلين من الفسدة الذين لم يحسنوا حماية انفسهم . عندما عاثو فسادا !
وهنا نكون قد وصلنا لمربط الفرس وكما يقال :
... المواطن و النظام .. الاصل والمستحدث .

نعود لمدخل مقالتي المواطن المطحون ...
أري انه هو الفاعل وهو المفعول به .. كونه قد نشأ علي مبدء الاتكالية وعلي مبدء التقديس لفئات اجتماعية حاكمة واخري دينية فأسلم عقله ومقدراته وبرضاه ..!!!
والا فأين من الفئتين هم بشر لارسل ولا ملائكة .. والبشر معرضون للاخطاء وللوقوع بها .. ومن تنزه عن الاخطاء انتقل من تصنيف الانسان الي تصنيف الملائكة او الرسل المصطفين .
والحلول تكون وببساطة من خلال الخطأ .. وكمبتدء ..و بعيدا عن تضخيمه وبعيدا عن استعماله كمدخل لتصفية حسابات ووو فنكون كمن قفز علي المشكلة ليستحضر كل المشاكل دفعة واحدة ، فلا هو بالصادق في البحث عن الحل .. ولا هو بالطارح فعليا لقضية محددة الاطر . ساعيا لايجاد الحلول لها وبمصداقية .

اثبت التاريخ ان الغوغائية الاجتماعية تزيد في تفاقم مشاكل المجتمع ولن يطفوا من خلالها اي حلول عملية وفعلية يمكن الاخذ بها . كما وانها فرصة وعلي طبق من ذهب لزيادة المفسد لفساده واللص لسرقة قوت مجتمعه .. كون هذا المجتمع يتخبط في منطقة ضبابية غير محددة المعالم والرؤي والتوجه الفعلي لمعالجة مشكلة تلو الاخري وبعيدا عن العصبية والانفعالات . فلا مناخات افضل من ذلك لزيادة استشراء الفساد وتزايد المفسدين .

والسؤال .. ونعود لمجتمعنا :-
ماهي المشكلة تلو الاخري ! والعاقل من يبدء بصغير اشكال ثم ينتقل لكبير مشكل لا العكس .

هل مشكلة مجتمعنا ...

- سوء مرافق وخدمات ارتضت الدولة بميثاق بيعة علي تولي مسئولياتها فقصرت في المطلوب ؟ فأصبحت مدانة بدل ان تكون محمودة مشكورة من وجهة نظر البعض؟

- ام صراع تيارات فكرية اجتماعية وقد شب الوليد فتبصر وتفكر ، فاصبح كل تيار يري انه الاصح وانه الافضل والاقدر علي الحلول الانسب لمعالجة اي سوءات تظهر ؟

- ام ان قلب المشكلة ومبدئها هو مواطن غيب او تغيب فغابت معه مرتكزات المجتمع الامثل من مواطنة وولاء وانتماء ؟

اعتقد ان مبدء المشكلة ومنتهاها هو المواطن ..وللتأكيد علي ذلك مايحدث اليوم من تعلق من يعرف ومن لايعرف - وانما مع القوم - برموز ابعد ماتكون عن القدوة الاجتماعية الحقة .. بل ان البعض سعي لخلق رمزه الاجتماعي والتعلق به وبالنواجذ !! تماما كما فعلت اقوام عبدة الطوطم في بدايات الانسان علي البسيطة . قافزا هذا المتعلق علي مرتكزات اساسية لم يكلف نفسه مجرد ايراد تساؤلات ذاتية عن الصورة لهذا القدوة المزعوم .. وكيف ذاك وهو وكما قلنا ابتدء مفاهيمه علي مبدء الاتكالية لا التفكر ولا التبصر..فتساوي من حيث يدري ولا يدري بخلق اخر ولكن ليس من فصيلة الانسان . ذلك المخلوق المكرم من رب الارباب .

لنأخذ الصراع الاجتماعي – المفتعل – بين تيارين اجتماعيين وكمثال واحد فقط . ونتسائل :-

- لمصلحة من هذا الصراع ؟
- هل المشكلة للتيار المتشدد تنحصر في اشخاص ورموز ؟ ام ان المشكلة في ذات التيار .. وممارساته .. وما رموزه الا جزء منه ؟

- هل يتوقع – مخطأ – اين من التيارين الغلبة علي الاخر مهما طال الزمن ؟ ..ام ان الصراع يدخل في دائرة الالهاء ولكلي الطرفين ؟

- هل هناك حلول واضحة ومحددة لدي كل طرف لانتشال المجتمع مما عاناه ويعانيه .. وهل هناك قياسات رأي اجتماعية لمشروع كل طرف ؟ مع درجة رضي وقبول جمعي !

- هل فكر الطرفين انهم من ذات الجلدة وذات الجمع قتعقلوا وتدارسوا وسطية حل وعلي طاولة مستديرة لانهاء هذه المهزلة القائمة والتي اقرب ماتشبه به هو الدائرة المغلقة .

- وحتي ولو .. هل حلت او ستحل مشاكل الوطن ونزف جراحه ؟ ام ان الجرح سيظل نازفا لان المشكلة ليست في التيارين بل هي في ذات الانسان المواطن مسئولا كان ام مواطنا عاديا رجلا او امرأة ملتحيا ام حليقا ؟

وتطول وتمتد الامثلة ويظل المحور للمشكلة الانسان المواطن مجردا .. فأن عزم هذا المواطن علي الانصلاح سينصلح الوضع برمته وان سكن للاتكالية والتأجير وبدون مقابل فقل علي هذا الوطن والمواطن السلام .... واي سلام .

------
متابعة النقاش في الموضوع في منتدى محاور
على الرابط : هنا